أولا: أسباب ودوافع الإلتحاق بالمُرشح
أسباب ودوافع إلتحاق جماعة "الرأي السياسي" بالمرشح
سيدي محمد ولد بوبكر، هي التي تطرق لها قبلي الأستاذ ممَّد ولد أحمد، ويمكن
تلخيصها في ما يلي:
-
الأخ سيدي محمد، شخص
يوثق به، وهو من النوع الذي يعبَّر عنه عادة، بـ "شخص مفْلوش مَكْرُ"؛
-
هو شخص على درجة كبيرة
من الإطلاع والجاهزية للمسؤولية العليا: يعرف ما هو القانون، ومن يعرف معنى
القانون، يحترمه ويحترم خاصة أعلى نص قانوني وهو الدستور؛
-
وهو يعرف ما هي الإدارة
وما دورها، لأنه تدرَّج في الإدارة من جميع مستوياتها، حتى صار وزيرا، ومن ثم
وزيرا أولا..
-
وهو أيضا يدرك أهمية
القرار السياسي، وكيف وأين يؤخذ..
القرار السياسي الحاسم هو الذي يتخذ في مجلس الوزراء وليس في
ضوضاء استقبال شعبي أو في الشارع، خلال الزغاريد، وتحت وطأة الحماس.
"آنطوان بينيه"، قد استقال من حكومة "ديغول" لأنه علم بأن قرارا قد اتخذ
خارج مجلس الوزراء ضمن لجنة وزارية.
ولكي يكون القرار صائبا لا بد أن يكون الوزراء على درجة عالية
من الكفاءة ، وفي رأيي أن الوزراء الحاليين قد يتمتعون بكفاءة عالية، على الأقل من
الناحية الفنية. لكن هذا لا يكفي، إذ لا بد أن يشعروا أنهم شركاء وأنهم مسؤولون
حقا. أما إذا كانت مبادرتهم ملجمة، ورأيهم غير مطلوب، بل يخشون الإدلاء به، فإنها
ستكون مأساة، لأن الأمور على تعقدها وصعوبتها ستبقى في يد شخص واحد، يتصرف فيها
حسب هواه..
هذا هو خراب الدولة: عندما تكون الحقيقة منبوذة، والصراحة
مطاردة وغائبة..
عندما عيَّنتْ "كاترين
العظمى"، إمبراطورة روسيا في القرن الثامن عشر، وزيرها الأول، زوَّدته
بتعليم مكتوب جاء فيه ما نصه "أحبُّ
الحقيقة.. وبوسعك أن تصارحني بها كاملةً، لا أحب التملق، ولا أنتظره منك.. "
هذه الروح هي التي مكَّنت
الإمبراطورة من الحكم على مدى أربع
وثلاثين سنة، حسَّنت خلالها من ظروف "الموجيك" (صغار الفلاحين الروس)، ووسَّعت بها الإمبراطورية
نحو الجنوب حتى مشارف - الحلم القديم
لروسيا- البحار الدافئة، كما وطَّنت نفوس الملوك السُّويديين المحاربين على
الإبتعاد عن الشواطئ الروسية لبحر البلطيق، في الشمال.
ثانيا: رئاسة العسكريين
للدولة
لقد أصبحت رئاسة العسكريين للدولة،
بالفعل صيغة ناشزا، بل وربما ضارة لأنها تُخلِّف عند الناس الإنطباع أن النقاش
والتشاور والدراسة هي صيغ مرفوضة من حيث المبدأ. وهذا ربما مردُّه إلى الروح التي
يتكون عليها العسكريون وهم ملتصقون بأمور تكتيكية، وينظرون إلى كل تنازل وكل تراجع
على أنه هزيمة... بينما السيَّاسيون ينظرون إلى نهايات الأمور ومآلاتها، وليس إلى
أشكالها فقط.
رئاسة العسكريين تُخَلِّفُ، إضافة إلى
ذلك، حوْل البلد هالةً من الريبة والشك وعدم الثقة والأحكام المسبقة من طرف
الشركاء الإقتصاديين، وهو ما نحن في غنى عنه.. ففي زمننا هذا، لا يُحصَل على
التمويلات إلا بالثقة، والإستثمارات هي المعول عليها في التنمية وتوفير فرص العمل.
والواقع أن الجيش لم يعد يحكم منذ 1991،
عندما تقررت التعددية دون مشاورة اللجنة العسكرية الحاكمة آنذاك... فصار من ذلك
الوقت إلى حد اليوم، الذي يحكم هو رجل واحد، هو ومن معه، دون مشاركة الجيش، اللهم
إذا كان من نمط مشاركة الإدارة... وهو مجال التنفيذ.. أما المشاركة في الحكم فهي
المشاركة الإلزامية في صناعة القرار من خلال صيغة مؤسسية، وليست الإستئناس برأي
غير ملزم لضابط لمجرد أنه صديق شخصي..
لا شك أن النظام يُوهِم الناسَ أنه يحكم
باسم الجيش، ولكن هذا لا يعدو أكثر من عملية إرهاب للمدنيين وإيحاء للعسكريين غير
المطلعين، بأنهم شركاء في السلطة..
الشيء المهم هو أن رئاسة العسكريين
للدولة أصبحت- في بلد انتشر فيه الوعي وكَثُر فيه المثقفون- صيغة متخلفة.. لا ندري
متى طفحت هذه الفكرة من الأذهان إلى الألسنة في الشارع البسيط، ولا شك أنه خلال
العشرية الأخيرة التي خاب فيها الكثير من الآمال.
يقول "فيكتور هيغو"- وتعرفون قوة ذهنه وعبقريته: "ليس هنالك شيء أقوى من فكرة حان وقتها".
هذا لا يعني بالطبع
أنه إذا وُجد عسكري متميز، وأتيح له أن يتسيَّس خارج المؤسسة العسكرية، لا يمكنه
أن يترأس نتيجة لكفاءته وشعبيته.
ومهما يكن من أمر، فإن المؤسسة العسكرية هي العمود الفقري
للدولة، ولا يمكن بحال من الأحوال تهميشها في بلد، يعيش باستمرار، على كف عفريت في
وسط مضطرب وأحيانا مخيف.
فقوة هذه المؤسسة هي ضمانة، لا أقول للإستقرار، وإنما لوجود
وبقاء البلد نفسه. وأعتقد بأن أي نظام أو أي مشروع نظام، أو أي سيَّاسي لا يوليها
التقدير الفائق، ويحيطها بالعناية البالغة، لا يدرك حقيقة الواقع والدولة،
والعلاقات الدولية.
إن الدولة بدون ردع لا وجود لها، لأن العلاقات بين الدول ليست
مبنية على العدالة والحق. هناك دول كثيرة تتمتع بعدالة داخلية ولكن دولة عادلة مع
الدول الأخرى ومنصفة، لم نرها إلا في النوادر.
أما السياسيون فيهددهم باستمرار عدم الواقعية في الموضوع
والإلتباس بين أمرين: تصرفات شخصية لعسكري أو عسكري سابق، والمؤسسة العسكرية شبه
المقدسة لدى الشعب والنُّخب..
إن اتروتسكي نفسه، على تطرفه الثوري ومبدئيته المفرطة، قبل أن
يكون وزير دفاع الإتحاد السوفيتي الناشئ، بعد سِلْم "بريست-ليتوفسك"-
هو من قام ببناء الجيش الأحمر، الذي أعطى للدولة الأورو-آسيوية هيبة عظيمة تمتعت
بها حوالي قرن من الزمن.
ثالثا: لماذا هذا التلاقي حول المرشح؟
قد يتعجب البعض ويتساءل ما الذي يبرر أو يفسر تلاقي أطراف
مشهود لها عادة بالتناقض والتعارض حول المرشح سيدي محمد ولد بوبكر؟
أعتقد بأن الأمر يتلخص في شيئين: طبيعة شخصية المرشح التي تدعو
للاطمئنان، وحالة البلد المقلقة.
لو لم يترشح الأخ سيدي محمد، لما أُتيحت فرصة تلاقي هذا
التنوع السياسي من حوله، فربما وجد الجميع فيه ذلك الشخص الذي يمكن إعطاؤه الثقة
في وضع كالذي نعيشه حاليا، حيث يطمئن الجميع لتوازنه وكفاءته.
أما المسألة الأخرى، فهي أن الجماعات السياسية- على تنوع
مشاربها- قد شعرت جديا بخطورة المأزق الذي تمر فيه البلاد، وضرورة تحمل المسؤولية
ونكران الذات لتحقيق هذا التلاقي من أجل مواجهة وضع شبه ميئوس منه. إنهم تصرفوا
كمن يواجه حريقا شب في البيت، أو شخصا سقط في حالة غيبوبة.. إنه ليس وقت مشاورات
ولا مفاوضات ولا طرح شروط مسبقة.. إنه وقت الهرولة نحو عمل خير.. وتلافي البلاد من
الضياع..
يقول الجزائريون والسودانيون هذه الأيام، أنهم يريدون
ديمقراطية كاملة وصحيحة.. أما بالنسبة لنا نحن في موريتانيا، فالديمقراطية مطلوبة
طبعا، لكنها تبقى بمثابة عملية تجميل في حالة بلادنا الآن.. فكأنما نحن أمام كائن
لا يستوي على قدميه.. وهو في أمسِّ الحاجة إلى عملية قلب مفتوح.. وغني عن القول
بأن إنسانا في حالة غيبوبة لا أحد يفكر له في عملية تجميل..
رابعا: المبادرات الوهمية والبهلوانيات لن تخدع
أحدا..
هل يمكن بأي منطق التسليم بالمأساة والمأزق الحاليين، كطريق
وكبرنامج للمستقبل؟ هل بالإمكان اعتبار ماض معيب هو المستقبل المنشود؟
إنه تحدٍّ للعقل وتحد للمواطنين، وهو في نهاية المطاف وهمٌ لا
يمكن تمريره، ولا يستساغ حتى الدفاع عنه لأيام طويلة.. إنه مجهود ضائع.. وعمل بائس
ضد تيار عجيب، تيار الواقع والمستقبل، وهو يشبه إلى حد كبير من يريد أن يُهشِّم
بأظافره صخرة صماء.. إنها محاولة عبثية من النمط القديم الذي تخطاه الزمن.. إنه
عمل بلا سيَّاق.. ومحض اغترار..
يجب أن لا تخدعنا المبادرات الوهمية.. والتصفيق المفتعل.. إن
من يقومون بهذه البهلوانيات هم غير مقتنعين بها أصلا.. بل هم ربما مُرغمون على
القيام بها.. ولم نجد شخصا واحدا منهم مقتنعا بها.. هل يمكن تشكيل دولة على أرض
الواقع بدون اقتناع؟ إنها عندئذ.. ستكون دولة أشباح..
إن من يُفرَض عليهم الآن الوقوف إلى جانب النظام الحاكم
ومشروع إعادة إنتاج نفسه، قلوبهم معنا.. وعند الجد ستكون سُيوفهم معنا أيضا.. تمامًا
كما فعلت قبيلة "إياد" في معركة "ذي قار"
بين العرب والفرس قبل أكثر من أربعة عشر قرنا.
خامسا: انتخابات غير عادية:
الإنتخابات القادمة لن تكون انتخابات رئاسية عادية، بل هي
بمثابة استفتاء حقيقي على مصير موريتانيا.
وإذا استفاق النظام من غفلته، وأدرك حقيقة الواقع المحلي الذي
لا يتطابق مع تصوراته، وأدرك الظروف المحيطة، وقَبِل ضرورة بل وحتمية إجراء
انتخابات نزيهة، فإن النتائج ستكون مُدوِّيةً، وستفتح الباب على مصراعيه أمام
الموريتانيين نحو عهد جديد لا سابق لهم به.. وإلَّا، فإن النظام القائم سيكون وحده
مسؤولا أمام التاريخ عن الوضع الذي سيخلقه تعنُّتُه غير المبرر..
ومهما يكن من أمر، فإن الإستياء العارم في نفوس المواطنين،
وتطلعهم المشروع والمُلِّح نحو انفراج في الحياة التعسة المفروضة عليهم، ووعيهم
الفائق، كلُّها عوامل كفيلة بفرض ظروف التغيير.. وتحقيق النَّصر قريبا إن شاء
الله..
والسلام عليكم ورحمة الله..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire